at.appmanage19.ir

رمز الخبر: 199895
تأريخ النشر : 2024December28 - 20:51

الشعب السوري يرفض الهيمنة التركية

 

سعدالله زارعي

منذ عام 2011 حيث بدأت الازمة الامنية في سوريا والى اليوم كان للحكومة التركية الدور الاساس، ويبدو ان هذا الدور الامني سيستمر لسنوات قادمة. فالحكومة التركية في هذه الفترة الممتدة لـ15 عاماً قد احتلت اجزاء كبيرة من الشمال السوري اضافة للدعم العسكري والامني والسياسي والمالي الذي قدمته لجميع الفصائل المسلحة المعارضة للحكومة السورية، قد تعدت على التراب السوري بذريعة مواجهة تهديدات الفصائل المسلحة الكردية ضد تركيا بينما لم يكن لهذه الفصائل قدرة تهديد لتركيا. هذا في الوقت الذي اوصلت سوريا وايران مراراً لاسماع المسؤولين في انقرة بتقديم ضمانات بعدم تطاول الفصائل المسلحة الكردية على الاراضي التركية. اذن يبدو ان الحكومة التركية قد استفادت من اعمال الشغب في سوريا للسيطرة على اجزاء من الاراضي السورية. فيما التقارير تشير الى ان الجيش التركي قد اطلق دورات لتعليم اللغة التركية واستبدال الليرة التركية عن السورية في المناطق التي يسيطر عليها وحسب وثائق وادلة عديدة تعكس دعم واسع من قبل الحكومة التركية للمجاميع والمليشيات غير النظامية المعارضة للحكومة السورية مثل الجيش الحر وعصابات داعش والنصرة ومؤخرا لهيئة تحرير الشام واحرار الشام. وخلال 15 عاماً لم يضمر الرئيس التركي رجب طيب اردوغان دعمه الرسمي للارهابيين، وخلال احداث مختلفة ومنها خلال اقامة اجتماعات آستانا منذ شباط عام 2017 كانت تركيا تمثل التيارات المسلحة السورية.

وبعد ان تمكنت الحكومة السورية من الانتصار على الارهاب وتحرير غالبية المناطق التي كان الارهابيون يسيطرون عليها، والتوصل الى وقف لاطلاق النار في 30 ديسمبر 2017 وبداية اجتماعات آستانا كانت الحكومة التركية تحول دون انهاء كامل للمجاميع المسلحة السورية. على سبيل المثال خلال اجتماع آستانا ضمنت تركيا انه دون الحاجة الى نزاع مسلح ستعمل على نزع سلاح الفصائل في ادلب وتسلم هذه المحافظة الى الحكومة السورية وطلبت ستة اشهر لتنفيذ ذلك، الا ان الحكومة التركية عملت خلال هذه الفترة على زيادة دعم الفصائل ماليا وتسليحيا وحالت دون ارجاع هذه المنطقة الى الحكومة السورية بذرائع مختلفة. وفي عام 2019 عملت الحكومة التركية على تطبيق برنامج متعدد المراحل لتعميم نموذج "ادلب" على كل سوريا. ويتألف البرنامج من؛

1ـ ان الحكومة التركية توصلت الى ان ادلب هي سوريا المصغرة وعلى ذلك جعلت الفصائل  المختلفة الارهابية ويربو عددهم على 15 فصيل تخضع لمظلة واحدة والحؤول دون حصول نزاع بينهم. واوعزت لجبهة النصرة وهي ضمن قائمة الارهاب الدولية لادارة المجاميع الارهابية وتغيير اسمها لتصبح هيئة تحرير الشام وتخضع لقيادة مشتركة اطلق عليها فيما بعد غرفة عمليات (فتح المبين). فيما دربت المخابرات التركية الهيئة  الجديدة  على مختلف الدورات؛ عسكرية وامنية وسياسية واجتماعية واقتصادية واعلامية وتقنية. ومن ثم عُمل على اقرار حكومة في ادلب يرأسها الجولاني ورئيس وزراء هذه الحكومة محمد  البشير  وهو الذي تسنم حاليا هذا المنصب.

2ـ وبالتزامن مع هذا المسار استغلت الحكومة التركية الضعف الاقتصادي في سورية جراء العقوبات، لتضغط على الجيش السوري وذلك بالتواصل  مع مراتب من هذا الجيش كي تحدث فجوات بين صفوف الجيش السوري. وخلال هذه المدة اي منذ 2020 والى 2024، لوح اردوغان لقادة وعنصار الجيش السوري انه اذا انفصلوا عن النظام سيتلقون مرتبات مثل جماعة تحرير الشام حيث كان مرتب الشاب من الهيئة يفوق 14 مرة مرتب جنرال في الجيش السوري التابع للاسد! فالهوة من خمسين دولار الى سبعمائة دولار من المرتب الشهري لافراد جيش كان يقاتل على امتداد 13 عاما ولا امل في البين لتحسين الظروف الداخلية سيكون عاملاً محركاً وهذا ما استغله اردوغان، ليتغلغل في الجيش السوري حين عملت الحكومة السورية على تجنيد من هم من المعارضة ليصل عددهم اكثر من ثلاثين الف مجند. اذ ظن بشار الاسد  انه بهذه الطريقة سيكسبهم الى حضن الوطن، فكانت فرصة للمخابرات التركية لدس عملائها في صفوف الجيش المختلفة، وحين بدأت عمليات جبهة تحرير الشام في 27 نوفمبر ضد مدينة حلب وانتشرت بسرعة نحو محافظات اخرى، كان الجيش خاضعاً بشكل عملي لتركيا وتحرير الشام. كما انه ومنذ اليوم الاول حصلت مناوشات بين هؤلاء  المندسين في الجيش وعناصر الجيش المخلصين للحكومة السورية مما حطم وحدة الجيش. هذا في الوقت  الذي قللت الحكومة السورية من عدد قوات الدفاع الوطني لاسباب مالية ليصل عددهم الى 12 الف مقاتل بعد ان كانوا 120 الف.

كما وقل عدد المجندين في فرقة "اللواء سهيل حسن" الى 5000 مجند بعد ان كانوا 30 الفا، وحصل بينهم خلال فترة العمليات نزاع داخلي ليصل عددهم الى خمسمائة مقاتل.

3 ـ ان الحكومة التركية التي لم تكن تعترف رسميا بالحكومة السورية وتصر على اسقاطها، سعت للنفوذ  الى المجتمع الذي يئن من الحظر الاقتصادي، لتضفي على نفسها صفة الحكومة التي تريد تحسين الوضع الاقتصادي للشعب السوري. فلم تتمكن سوريا من دون صادرات زراعية ومن دون واردات للسلع الضرورية، من الاستمرار في عافيتها. وحين بدأت الازمة الامنية في سوريا تعرضت لحصار غربي شديد واغلقت الحدود التركية والاردنية بوجهها. فيما كانت الدولة العراقية واللبنانية الحدوديتين مع سورية تعانيان من ازمة امنية شديدة او اقتصادية فلم تستطيعا دعم سوريا ماليا، هذا في الوقت الذي طالت الحرب في سوريا وتزايدت التكاليف، فيما اميركا وتركيا والارهابيين  يسيطرون على المصادر الاقتصادية القليلة في شمال شرق سوريا، وحرمت الحكومة من عائدات النفط، وبذلك كانت سورية قد جربت في العقد الاول لحكومة بشار الاسد ـ 2000 الى 2011 ـ افضل فترة اقتصادية مقارنة بالعقود التي تلتها.

وخلال هذه الفترة عملت انقرة على فصل الشعب السوري عن الحكومة باظهار وجه جديد لنفسها، فرسخت في السوق الاقتصادية السورية لتبدي انها الدولة الوحيدة التي تشعر بهموم الشعب السوري وتريد مساعدتهم. وقد سمعنا مراراً كيف كان لايران التي لها علاقات ستراتيجية مع الحكومة السورية الحصة الاقل في السوق السورية مقارنة بتركيا التي ليس لها علاقة بالحكومة السورية وفي حرب معها اصلاً. فكانت الاجابة على هذا التساؤل صعباً حينها لان الواقع لم يتكشف بعدُ . ويقال انها خصوصية تجارة تركيا المحورية مقارنة مع ايران بسبب الاعتماد على النفط اذ ستكون محورية في وارداتها. كما ان ضخ السلع الغذائية التركية في السوق السورية بهدف انتفاع تركيا اقتصاديا ما كان ملتفتا له فكان اسعار السلع التركية منخفضة مقارنة بالاسعار في دول اخرى، وهذا هدف غير اقتصادي مهم، اذ عملت تركيا من هذا لترك الاثر على المواطن السوري. فضلاً عن ذلك لتبييض الوجه التركي لدى الشعب السوري لما لماضيها في الفترة العثمانية وبعد ذلك.

الا ان الدور التركي في سوريا لسنوات قادمة سيتغير بالضرورة. فتركيا بصدد ايجاد حكومة عميلة لها في سوريا، وفي نفس الوقت وبسبب انهيار اقتصادها سيكون حملاً ثقيلاً على تركيا ان توفر كل ما تحتاجه سوريا المنهكة اقتصادياً، وحينها سيلتفت المواطن السوري الى مخطط جاره الشمالي الذي يصر على احتلال مناطق من سورية ويفرض نفسه كراعٍ على سوريا، وليس ببعيد ذلك اليوم.